المجمع المسكوني الثاني
بالقسطنطينية 381م
+ مقدمة :
بعد عودة القديس أثناسيوس من نفيه الخامس والأخير أخذ في تبادل الرسائل مع الأساقفة في الشرق والغرب لإصلاح ما أفسده الأريوسيين إلى أن رقد في الرب في 15 مايو 373 م واعتلى الكرسي من بعده البابا بطرس الثاني ال21 في تاريخ البطاركة . ولما مات الإمبراطور فالنس تولي بعده الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير سنة 379 م وقد كان هذا الإمبراطور أرثوذكسيا فأراد أن ينظف مملكته من الأريوسية فطلب من البابا بطرس أن يرسل له رعاة أكفاء للوعظ والتعليم في كنائس القسطنطينية فأرسل له القديس غريغوريوس النيزينزى ووفدا آخر من الإسكندرية برئاسة القديس تيموثاوس إلا أن نياحة البابا بطرس عجلت بعودة الوفد المصري للإسكندرية ونظرا لنجاح هذا الوفد في مهمته فلقد نادى الشعب بتيموثاوس ليعتلى كرسي الإسكندرية وبخاصة انه تلميذا للقديس أثناسيوس .وفي هذه الفترة استمر المبتدعون في نشر سموم تعاليمهم رافضين صوت الحق فكان ذلك سببا في الدعوة لعقد مجمع مسكوني ثان ( بعد مجمع نيقية -المسكوني الأول ) للفصل في هذه البدع التي انتشرت بين البسطاء من الناس وهذه البدع هي :
+ بدعة أبوليناريوس :
تمت سيامته أسقفا علي اللاذقية بسوريا بعد إتمامه لدراسته الفلسفية واشتهر في أول الأمر بمقاومته للأريوسيين ودفاعه عن لاهوت السيد المسيح ولكن قادته فلسفته للسقوط في بدعة أخري حيث علم أن السيد المسيح يتكون من نفس وجسد واللوغوس هو الذي حل في المسيح محل الروح العاقلة وهو بالتالي يرفض وجود الروح العاقلة في السيد المسيح مستندا على قول القديس يوحنا " الكلمة صار جسدا " وقال أبوليناريوس أن القديس يوحنا لم يقل " صار روحا " وبالتالي قام اللاهوت مقام الروح الجسدية وتحمل آلام الصليب والموت مع الجسد . وكان أبوليناريوس ينادي أيضا أن الروح القدس عظيم والإبن أعظم والآب أعظم من كليهما .وقد قاوم القديس أثناسيوس هذا التعليم وعقد مجمعا مكانيا بمدينة الإسكندرية عام 362 م قرر فيه تثبيت الإيمان الصحيح إلا أن أبوليناريوس لم يرتدع .وجاء في دائرة المعارف الجزء الثالث عن أبوليناريوس ما نصه "إنه لما شاخ أودع تعاليمه في كتاب وأودع الكتاب عند إحدى تلميذاته ولما علم مارإفرآم السرياني استعار هذا الكتاب من تلك السيدة وألصق أوراقه بغراء ثم رده إليها وأخذ مارإفرآم في مجادلة أبوليناريوس أمام جمع غفير وإذ كانت الشيخوخة قد أضعفت ذهنه قال لمارإفرآم أن كتابه يحتوى ردا على كل مقترحاته ولما استحضر الكتاب وجده كقطعه من الخشب لا سبيل لفتحه فألقاه وداسه برجليه ومضى فتبعه الشعب وأوسعوه تعييرا ويقال إنه اغتاظ جدا مما حدث حتى تملكه المرض ومات " .
+ بدعة أوسابيوس :
جدد تعاليم سابيلوس ونادى بأن الابن والروح القدس إنما هما ظهورات وأشكال وانبثاقات من شخص الآب وحده و يعد فكره هذا محاولة لإلغاء الإيمان بالثالوث الأقدس . علم أوسابيوس أن الثالوث أقنوما واحدا ظهر في العهد القديم كآب وصار إنسانا في العهد الجديد بصفة ابن وحل على التلاميذ في علية صهيون بصفة روح قدس.وقد أسقط هذا المبتدع من رتبته وحرم المجمع تعاليمه .
+ بدعة مقدونيوس :
كان مقدونيوس أحد أتباع أريوس وأقيم أسقفا على القسطنطينية سنة 343 م وذلك نظرا لنفوذ الأريوسيين لدى الملك قسطانس إبن الملك قسطنطين الكبير غير أن الملك انقلب عليه وعزله عن كرسيه سنة 360 م عندما قام مقدونيوس بنقل جثة والده الملك قسطنطين الكبير إلي مدفن آخر بدون علمه وبعد عزل مقدونيوس بدأ يعلن عن بدعته ونصها " أن الروح القدس عمل إلهي منتشر في الكون وليس أقنوم متميز عن الآب والإبن وهو مخلوق شبيه بالملائكة ولكنه في رتبه أعلى منه " .
+ من هو الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير ؟
هو الذي أصدر منشورا بجعل المسيحية ديانة رسمية للدولة سنة 381 م وأمر بهدم المعابد الوثنية وصرح للبابا الإسكندري الأنبا ثاوفيليس بتحويل كافة المعابد الوثنية إلي كنائس ومنها معبد سيرابيس الذي تحول إلي كنيستين باسم أركاديوس وهانوريوس ابنا الإمبراطور . وبرغم قسوة أحكام هذا الإمبراطور إلا إنه كان سريع العفو وطيب القلب وحسن العبادة .حدث مرة أن ثار سكان تسالونيكى وقتلوا حاكمهم فأصدر الإمبراطور ثيؤدوسيوس قرارا بقتلهم جميعا دون تحقيق فقتل سبعة آلاف مرة واحدة وعندئذ بين له الأسقف امبروسيوس خطأ الحكم ومنعه من دخول الكنيسة وقال له " كيف تقف أمام الله بذنب الجميع ؟ أتستطيع أن تطأ المكان المقدس ويداك ملطختان بدماء الأبرياء؟ " فتأثر الإمبراطور جدا وعاد لقصره وبقي ما يقرب من ثمانية أشهر لا يدخل الكنيسة وعندما اقترب عيد الميلاد اشتاق لدخول الكنيسة فذهب إلى مكان قريب منها وأرسل يستأذن من الأسقف ليسمح له بالدخول إلا أن الأسقف رد عليه قائلا " إن خطيتك الجهارية تستوجب توبة جهارية " وطلب الأسقف منه أن يصدر أمرا بوقف حكم القتل الذي سبق أن أصدره فوافق الإمبراطور ودخل الكنيسة وسجد باكيا أمام هيكل الله وقال " لصقت بالتراب نفسي فأحييني بكلمتك " (مز 25:119 ) . ولقد تأثر الشعب جدا من موقفه ولمسوا فيه مثالا حقيقيا للتوبة .
+ انعقاد المجمع :
بدأ المجمع جلساته في أحد أيام شهر مايو 381 م برئاسة ملاتيوس أسقف إنطاكية ولكن عاني هذا الأب من المرض وانتقل قبل انتهاء أعمال المجمع فرشح الآباء غريغوريوس أسقف نيصص لرئاسة المجمع ولكن البابا تيموثاوس اعترض علي ذلك نظرا لأن غريغوريوس سبق له قبول رئاسة كرسي القسطنطينية بالرغم من سيامته أسقفا على سازيما قبل ذلك مخالفا بذلك القوانين الكنسية التي تمنع انتقال الأساقفة . ولما كان هذا القديس زاهدا في المناصب ويكن احتراما خاصا للجالس علي كرسي الإسكندرية بادر بالانسحاب إلى كرسيه حتى لا يحدث شقاق بسببه .
وبعد أن تليت المراسم الخاصة بانعقاد المجمع تم استدعاء مقدونيوس ليعرض معتقداته علي الآباء فابتدأ يقول أن الروح القدس مخلوق مستندا علي قول الإنجيل " كل شئ به كان وبغيره لم يكن شيئا مما كان " . فرد عليه الآباء مستفسرين عن كيفية أن يكون روح الله مخلوقا ؟ وإذا كان مخلوقا فيكون الله بلا روح أي بلا حياة وكيف يكون الله حي بدون روحه القدوس ؟ .ولما أصر مقدونيوس علي عقيدته حكم المجمع بتجريده من كل الرتب الكهنوتية وكذلك حرمه مع كل من ينادي بتعاليمه .
ثم أكمل الآباء قانون الإيمان النيقاوي بإضافة النص الخاص بألوهية الروح القدس كما يلي " نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب نسجد له ونمجده مع الآب والإبن الناطق في الأنبياء وبكنيسة واحدة مقدسة جامعه رسوليه ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين"
وبعد عزل مقدونيوس وقع اختيار الآباء علي نكتاريوس أسقفا للقسطنطينية وكان حكيما مشهودا له من الجميع سديد الرأي.
+ الحكم في باقي القضايا :
-بحث المجمع بعد ذلك بدعة أبوليناريوس وأوسابيوس وقرر حرمهما مع أتباعهما ولقد ذكر السنكسار القبطي تحت يوم أول أمشير ما دار بين هذين المبتدعين وبين البابا تيموثاوس الذي حرمهما وقطعهما من رتبتيهما لأنهما رفضا العودة عن تعاليمهما الضالة .
-انتقل المجمع بعد ذلك إلي المناقشة في مراكز الأسقفيات ومن له الأولوية على الآخر مخالفين بذلك قول السيد المسيح"من أراد أن يكون عظيما فيكم ليكن آخر الكل"فرتبوا أن تكون روما لها المركز الأول لكونها العاصمة الغربية و القسطنطينية في المركز الثاني لكونها العاصمة الثانية .ومن المؤسف أن الآباء نسوا كرسي أورشليم مدينة الملك المسيح وأم الكنائس كما لم يلتفتوا إلي ما فعلوا الآباء في نيقية إذ جعلوا القديس هيسيوس القرطبي رئيسا للمجمع بحكم سنه بالرغم من أن كرسيه ليس من الكراسي الرسولية .ولقد أغفل أباء المجمع اعتراض بابا الإسكندرية على هذا الوضع وقد تضامن معه القديس غريغوريوس قد عاد إلي بلاده حزينا على ما وصل إليه حال الأساقفة .
- عاد أيضا البابا تيموثاوس آسفا ولكنه أخذ في بناء شعبه وترميم ما أفسده الأريوسيين .