اب الرهبان :
قيل عن الانبا مقاريوس انه بنى لنفسه قلاية غربى الواحات وسكن فيها وصار يضفر الخوص ويعيش من عمل يديه ويعبد الله كنحو قوته00 لما سمع به اناس حضروا اليخ وسكنوا معه فكان لهم اباً مرشدا.
وكثر الذين يحضرون اليه فان يلبسهم الزى ويرشدهم الى طريق العبادة فلما كبر عددهم بنوا لهم كنيسة عى الان موضع البراموس فلما ضاق بهم المكان ولم تعد الكنيسة تسعهم تحول الاب من ذلك المكان وبنى كنيسة اخرى.
فضائله:
1 - فاعلية صلاته :
انطلق الاب مقاريوس مرة من الاسقيط حاملاً زنابيل فاعيى من شدة التعب ووضع الزنابيل علىالارض وصلى قائلاً : يارب انت تعلم انه ما بقى فى قوة واذا به يجد نفسه على شاطئ النهر.
2 – وداعته وتواضعه:
اتى الاب مقاريوس يوماً من الاسقيط الى نيرس فقال له الشيوخ: قل كلمة للاخوة ايها الاب فاجابهم قائلاً : انا لم اصر بعد راهبا لكنى رأيت رهبانا00 فقد كنت جالسا فى الاسقيط فى القلاية واذا افكار تأتينى قائلة : اذهب الى البرية الداخلية وتأمل فيما تراه هناك ومكثت مقاتلا لهذا الفكر خمس سنوات ظانا انه من الشيطان لكنى لما وجدت الفكر ثابتا مضيت الى البرية فصادفت هناك بحيرة ماء وفى وسطها جزيرة بها وحوش برية وقد جاءت الى الماء لتشرب وشاهدت بينها رجلين مجردين ( عاريين) فجزعت منهما لانى ظننت انهما روحان لكنهما لما رأيانى خائفا جزعا خاطبانى قائلين : لا تجزع فاننا بشريان مثلك00 فقلت لهما: من أنتما؟00 ومن أين انتما؟00 وكيف جئتما الى هذه البرية؟00 فقالا لى:
" كنا كنونيون وقد اتفقنا على ترك العام فخرجنا الى ها هنا ولنا منذ مجيئنا الى هنا اربعون سنة " وقد كان احدهما مصرياً والاخر نوبيا فسألتهما: كيف اصير راهبا فقالا لى : ان لم يزهد الانسان فى كل امور العالم فلن يستطيع ان يصير راهباً فقلت لهما: انى ضعيف فما استيطع ان اكون مثلكما فقال لى: ان لم تستطع ان تكون مثلنا فاجلس فى قلايتك وابك على خطايك فسألتهما: اما تبردان ان صار الشتاء اذا صار حر اما يحترق جسداكما؟00 فأجابانى: ان الله قد دبر لنا الا نجد الشتاء بردا ولا يضرنا فى زمن الحصاد حرا واخيرا قال القديس للاخوة: " لذلك قلت لكم انى لم اصر بعد راهباً؟00 بل رأيت رهبانا00 فاغفروا لى".
واورد بلاديوس تفسيرا جاء فيه:
قال الاخوة : ماذا قصد الراهبان فى قولهما لانبا مقاريوس:
" ان لم تقدر ان تكون راهباً مثلنا اجلس فى قلايتك وابك على خطاياك"
اجاب شيخ : لانهما عرفا ان الراهب بالحقيقة هو الرجل الذى استطاع ان يكون منعزلا بجسده ، مقيماً فى حياة التأمل والسكون ، عمالا بالروح والجسد متضعا باكيا كل يوم على خطاياه قاطعا على نفسه كل ذكريات الشهوة والافكار المقلقة متأملاً فى الله وفى كيف يحيا باستقامة وذلك مثلما قال الطوباوى اوغريس: " ان الراهب المنفرد عن العالم هو من قطع من نفسه كل حركات الشهوة وثبت فى الرب بكل افكار روحه".
قيل انه فى احدى المرات كانم انبا مقاريوس عابرا فى الطريق حاملا خوصا عندما قابله الشيطان واراد ان يقطعه بمنجل كان ممسكا به فى يده ولكنه لم يستطع ان يفعل هذا ، وقال له : " يا مقاريوس انك تطرحنى على الارض بقوة عظيمة وانا لا استيطع ان اغلبك ولكن انظر هو ذا كل عمل تعمله انت استطيع ايضا ان اعمله انت تصوم وانا لا اكل ابدا انت تسهر وانا لا انام مطلقاً ولكن هناك شيئا واحد به تغلبنى " حينئذ قال له مقاريوس " وما هذا؟ " فقال الشيطان: "انه تواضعك لانه من اجل هذا لا اقدر عليك" فبسط القديس مقاريوس يديه للصلاة وحينذ اختفى الشيطان.
وورد ايضاً انه فى مرة ما امسك اشليطان سكينا ووقف على ابا مقاريوس مريدا ان يقطع ردله ولما لم يقدر ان يفعل ذلك من اجل تواضع الشيخ اجاب وقال له: " كل شئ تملكه ، نملكه نحن ايضاً ، ولكنك بالتواضع فقد تتفوق علينا وبه وحده تغلبنا".
قيل عن ابا مقاريوس انه عندما كان يقترب اليه الاخوة فى خوف كما الى شيخ عظيم وقديس لم يكن يجيبهم بكلمة وعندما كان اخ يقول له فى استهزاء " أيها الاب ، لو كنت جملاً اما كنت تسرق النطرون وتبيعه واما كان الجمال يضربك؟" فانه كان يرد عليه وان كان احد يكلمه يغضب او بكلمات مثل هذه ، فانه كان يجيب على كل سؤال يوجه اليه.
وقال بلاديوس: ان مقاريوس الطوباى كان يتصرف مع جميع الاخوة بدون اى ظن سئ وقد سأله بعض الناس : " لماذا تتصرف هكذا؟ " فأجابهم : " انظروا اننى ابتهلت الى الرب مدة اثتنى عشرة سنة من اجل هذا الامر ان يمنحنى هذه الموهبة فهل تنصحونى بأن اتخلى عنها؟لو ان انساناً اقترف اثما تحت بصر انسان معصوم من الخطية فليعف ذلك المعصوم نفسه وحده من الاشتراك فى حمل قصاص من سقط.
ومن امثلة تواضعه ايضاً استرشاده بمن هو اصغر منه وذلك كما ورد فى القصة التالية:
قال ابا مقاريوس : ضجرت وقتا وانا فى القلاية فخرجت الى البرية وعزمت على ان اسأل اى شخص عقابله من اجل المنفعة واذا بى اقابل صبيا يرعى بقرا فقلت له " ماذا افعل ايها الولد فانى جائع؟" فقال لى : كل فقلت اكلت ولكنى جائع ايضا فقال لى : كل دفعة ثانية فقلت له : انى قد اكلت دفعات كثيرة ولا زلت جائعا فقال الصبى: " لست اشك فى انك حمار يا راهب لانك تحب ان تأكل دائما " فانصرفت منتفعا ولم ارد له جوابا.
3 - محبته للوحدة :
00 واذ كان يتضايق لان عدداً كبيرا من الناس كانوا يأتون ليتباركوا منه لذلك دبر الخطة التالية:
حفر سرداباً فى قلايته00 ووضع فيها مخبأ ذا طول مناسب يمتد من قلايته الى بعد نصف ميل وعند نهايته حفر مغارة صغيرة وعندما كانت تأتى اليه جموع كثيرة من الناس فتعكر وحدته كان يترك قلايته سرا ويمر عابرا فى السرداب دون ان يراه احد ويختبئ فى المغارة حيث لا يقدر احد ان يجده وقد اعتاد ان يفعل هذا كلما كان يرغب فى الهروب من المجد الباطل الذى يأتى من الناس ".
وقد قال لنا واحد من تلاميذه الغيورين انه فى تركه القلاية الى المغارة كان يتلو 24 ربعا ( استيخن ) وفى رجوعه 24 اخرى وحينما كان يذهب من قلايته الى الكنيسة كان يصلى 24 صلاة فى عبوره الى هناك ، و2 اخرى فى رجوعه"
دفعه سال الاخوة شيخا قائلين : اعتادوا ان يقولوا انه كان من عادة ابا مقاريوس ان يفر الى قلايته اذا سرحت الكنيسة والاخوة قالوا: انه به شيطانا لكنه يعمل عمل الرب فمن هم الذين قالوا انه به شيطانا؟ وما هو عمل الرب الذى اعتاد ان يعمله؟
قال الشيخ : كان المنهاونون يقولون انه به شيطانا فعنما يرى ابليس ان رهبان الدير يعيشون فى حياة روحية مباركة فان اشلياطين تحرك الاخوة المتهاونين ان يثيروا حرباً ضدهم بالاهانة والانتهار والاغتياب والافتراء والمحاكمات التى يسببونها لهم.
اما عمل الرف الذى كان يعمله ابا مقاريوس بفراره الى قلايته فكانك صلاة مصحوبة ببكاء ودموع طبقا لما حث به ابا اشعيا قائلا : عندما ينصرف الجمع او عندما تقوم عن الغذاء لا تجلس لتتحدث مع اى انسان لا فى امور العالم ولا فى امور روحية بل امضى الى قلايتك وابك على خطاياك"كما قال القديس مقاريوس الكبير للاخوة الذين كانوا معه : فروا يا اخوة فقال الاخوة: ايها الرب كيف نهرب اكثر من مجيئنا الى البرية؟ فوضع يده على فمه وقال : من هذا فروا وفى الحال فر كل واحد الى قلايته وصمت.
اعتاد ابا مقاريوس ان يقول للاخوة بخصوص برية الاسقيط " عندما ترون قلالى قد اتجهت نحو الغابة اعرفوا ان النهاية قريبة وعندما ترون الاشجار قد غرست الى جوار الابواب اعلموا ان النهاية على الابواب وعندما ترون شباناً يسكنون فى الاسقيط احملوا امتعتكم وارحلوا".
4 – تقشفه وزهده:
قيل عن الاب مقاريوس: انه كان قد جعل لنفسه قانونا وهو انه اذا قدم له الاخوة نبيذا كان لا يمتنع عن شربه لكنه عوض كل قدح نبيذ يشربه كان يصوم عن شرب الماء يوما فاما الاخوة فلكى ينيحوه كانوا يعطونه وهو لم يمتنع بدوره امعانا فى تعذيب ذاته اما تلميذه فملعرفته بأمر معلمه طلب من الاخوة من اجل الرب الا يعطوا الشيخ نبيذاً لانه يعذب ذاته بالعطش فلما علموا بالامر امتنعوا عن اعطائه نبيذا منذ ذلك الوقت.
قال بعض الاباء لابا مقاريوس المصرى: " ان جسدك قد جف سواء اكلت او صمت " فقال لهم الشيخ " ان قطعة الخشب التى احترقت واكلتها النيران تفنى تماما وهكذا ايضاً قلب الانسان يتطهر بخوف الله وبذلك تفنى الشهوات من الجسد وتجف عظامه ".
وقيل ايضاً ان انسانا اتاه بعنقود مبكر فلما رأه سبح الله وامر ان يرسلوه الى اخ كان عليلا فلما رآه الاخ فرح ، وهم ان يأخذ منه حبة واحدة ليأكلها لكنه اقمع شهوته ولم يأخذ شيئا وقال : " خذوه لفلان الاخ لانه مريض اكثر منى " فلما اخذوا العنقود اليه راه فرح ولكنه اقمع شهوته ولم يأخذ منه شيئا وهكذا طافوا به على جماعة الاخوة لكان كل من اخذوه اليه يعتقد ان غيره لم يره بعد وهكذا لم يأخذوا منه شيئا وبعد ان انتهوا من مطافهم على اخوة كثيرون انفذوه الى الاب فلما وجد انه لم تضع منه حبة واحدة سبح الله من اجل قناعة الاخوة وزهدهم.
وكان القديس يقول : " كما ان بستانا واحداً يستقى من ينبوع واحد تنمو فيه اثما مختلف مذاقها والوانها ، كذلك الرهبان فانه يشربون من عين واحدة وروح واحد ساكن فيهم لكن ثمرهم مختلف فكل واحد منهم يأتى بثمره على قدر الفيض المعطى له من الله".