القديس أثناسيوس الرسولي
البطريرك ال 20
+ نشأته :
-ولد القديس بين عامي 296-298 بالإسكندرية ولما بلغ سن الرشد أرادت والدته أن تزوجه ولكنه رفض حبا في حياة البتولية .
- تعرف عليه البابا الكسندروس البطريرك ال 19 من خلال تمثيلية العماد التي كان يقوم بها أثناسيوس مع رفقائه علي شاطئ البحر وكان في سن 12 سنة فأخذه البابا الكسندروس واهتم به وصار تحت رعايته والتحق أثناسيوس بمدرسة الإسكندرية اللاهوتية وداوم علي الدراسة ونبغ نبوغا كبيرا في العلوم اللاهوتية والمدنية والفلسفية وليس أدل علي ذلك من انه أصدر كتابه الأول " ضد الوثنيين " وتبعه بكتاب " تجسد الكلمة "
- ذهب إلى البرية ليدرس التقوى العملية وهناك تتلمذ علي يد القديس الأنبا أنطونيوس فتعلم منه مبادئ الحياة النسكية ولمس البابا الكسندروس ما وصل إليه أثناسيوس من علم وتقوي فرسمه شماسا سنة 319 م ثم رئيسا للشمامسة ونظرا لأنه كان يظهر كفاءة في كل ما يسند إليه فقد عينه البابا الكسندروس مساعدا وسكرتيرا له .
- وعندما ظهرت الهرطقة الأريوسية ذهب القديس أثناسيوس مع البابا الكسندروس إلى مجمع نيقية 325 م ولعب دورا هاما في دحض هذه البدعة ونظرا لفصاحته اللاهوتية الكبيرة قال له الإمبراطور قسطنطين الكبير " أنت بطل الإيمان أنت قاضي المسكونة " ولقد وصفه بعض معاصريه إنه " كان قصير القامة رقيق البنية وكان في نحو الثلاثين من عمره ويضئ وجهه بنور النعمة " .
+ تنصيبه بطريركا :
في عام 318 م وقبلما ينتقل البابا الكسندروس أوصي بانتخاب القديس أثناسيوس بطريركا خليفة له وما أن انتقل البابا الكسندروس وشعر أثناسيوس بهذه الرغبة من الرعية والرعاة حتى هرب إلي البرية لشعوره بعدم استحقاقه لهذه الرتبة العظيمة ولكن الشعب بحث عنه وأحضروه ونصبوه بطريركا في مظاهر فرح وتهليل ولأول مرة يجتمع 50 أسقفا في هذه المناسبة . وكم حاول الأريوسيين الحيلولة دون رسامته لأنهم كانوا يدركون ما ينتظرهم من القديس ولكن باءت محاولاتهم بالفشل . وقد رأي القديس باخوميوس رؤيا خاطبه فيها روح الله بقوله " إني أقمت أثناسيوس عمودا ونورا لكنيستي وستناله شدائد كثيرة وتلقي عليه تهم لأجل حق الديانة إلا إنه يبشر الكنائس بحق الإنجيل " .
+ جهاده وأتعابه :
- قضي القديس أثناسيوس معظم سنين حياته في جهاده ضد الأريوسية واحتمل الكثير من أجل ذلك فلقد انتهز الأريوسيين فرصة انتقال البابا الكسندروس وبدأوا في السعي لإعادة أريوس من منفاه مستغلين وجود قسطنديا ( أخت الإمبراطور قسطنطين ) الأريوسية والتي كانت تعترف علي يد قس أريوسي واستطاعوا إقناع الإمبراطور بذلك فاستدعاه الإمبراطور فقدم أريوس له صورة إيمان مزورة فأصدر الإمبراطور أمرا ببراءة أريوس والعفو عنه وعن الأساقفة الأريوسيين الذين سبق نفيهم وأرسل هذا القرار لأثناسيوس .
- رفض أثناسيوس هذا القرار وقال " ما حرمه مجمع لا يحله إلا مجمع والكنيسة لا تقبل من ينكرون ألوهية السيد المسيح " وأرسل ذلك للإمبراطور الذي اعتبر ذلك تحدي شخصي له . واستغل الأريوسيين ذلك فأعلنوا الحرب علي القديس أثناسيوس ووشوا للإمبراطور بأنه يساعد أحد القادة ويدعي (فيلومينوس) ضده ولكن لم يستطيعوا إثبات تلك التهمة واستطاع أثناسيوس أن يثبت براءته
لم يسكت الأريوسيون بل عقدوا مجمع في صور 334-335 وطلبوا حضور أثناسيوس ليدافع عن نفسه وكان كل أعضاء المجمع من الأريوسيين فبدأوا باتهام أثنايسوس بالعديد من الاتهامات منها :
1-انه كسر كأس القس اسخيراس ( اسكيرا ) الهرطوقي وهدم مذبحه ورغم اتفاقهم مع هذا القس ضد أثناسيوس إلا انه ندم وحضر إلى المجمع وبرأ القديس ووقع علي وثيقة ومعه 13 قسا من الإسكندرية بأن أثناسيوس لم يفعل ذلك وأن البعض اضطره للشهادة ضد أثناسيوس .
2- ادعوا عليه بأنه قتل الأسقف أرسانيوس وقطع ذراعه واتفقوا مع هذا الأسقف علي الاختفاء وأحضروا ذراع أحد الموتى وقالوا إنها الذراع التي قطعها أثناسيوس ولكن عاد الأسقف أرسانيوس إلى ضميره ورأي ضرورة الذهاب إلى صور لمقابلة القديس ليسامحه علي خطأه وفعلا وصل أرسانيوس إلى صور قبل تقديم التهمة بيوم واحد فأخفاه القديس في غرفة مجاورة وعندما أثير الأمر في المجمع قال القديس أثناسيوس للحاضرين : من منكم يعرف أرسانيوس ؟ فقالوا : كلنا نعرفه فأحضره البابا أمامهم وأظهر يديه الاثنين وقال لهم : هوذا أرسانيوس حي لم يمت وتلك هي ذراعاه أمامكم فلمن إذن هذه الذراع الثالثة ؟ وبدلا من أن يعترف الأريوسيون بجريمتهم قالوا إن أثناسيوس يفعل ذلك بالسحر وأرادوا الفتك به لولا وجود أحد الأمراء الذي أنقذه من أياديهم .
3- أحضروا إلى المجمع امرأة شريرة ادعت أن أثناسيوس قد زني معها فوقف تلميذه القديس تيموثاوس ( منتحلا شخصية أثناسيوس ) وقال لها : هل زنيت معك أيتها المرأة ؟ فقالت له " نعم أنت الذي ارتكبت معي هذا الشر" فوضح للجميع كذبها لأنها لم تكن تعرف أثناسيوس ولم تكن قد رأته من قبل .
- انتهز أثناسيوس فرصة خروج قسطنطين علي جواده للنزهة وأوقفه وطلب منه إنقاذه من الأريوسيين ولكن كان كل الذين حول الإمبراطور من الأريوسيين فاتهموا أثناسيوس انه يعمل علي منع تصدير الغلال من مصر إلى القسطنطينية فهاج الإمبراطور وأصدر قراره بنفي القديس أثناسيوس إلى مدينة تريف ( جنوب غرب فرنسا ) وحينئذ قال القديس للملك " إن الله سيقوم ديانا بيني وبينك لأنك قبلت شكوى أعدائي وصدقتها " .
- تقدم العمر بالإمبراطور قسطنطين الكبير وقبل العماد وهو في سن 65 سنة وأوصي أبنائه الثلاثة برد أثناسيوس من منفاه وأوضح في خطاب لأحد أبنائه انه نفي أثناسيوس ليبعده عن الأريوسيين خوفا علي حياته منهم .
- مات قسطنطين وصارت مصر تحت حكم قسطنديوس أما الغرب فصار تحت حكم قسطانس وقسطنطين الصغير الذي طلب من أخيه ( قسطنديوس ) إعادة البابا أثناسيوس لكرسيه فوافق وعاد أثناسيوس واستقبله شعبه استقبالا رائعا بعد غياب دام حوالي سنتين وأربعة شهور .
+ الأريوسيون يثيرون الشغب :
- كانت اتصالات الأريوسيين والوثنيين علي قدم وساق لإفساد الاستقبال الرائع للقديس أثناسيوس حيث كان والي الإسكندرية ( ثيئوذوروس ) صديقا لأثناسيوس وكان شديد البطش بالأريوسيين فكان هذا الوالي موضع شكوى للقصر مما اضطر الإمبراطور ( تحت تأثير يوسابيوس النيقوميدي ) لتعيين والي آخر اسمه ( فيلارجيوس الكبادوكي ) وكان هذا الوالي صديقا للأريوسيين والوثنيين واليهود فاستقبلوه استقبالا كبيرا وكانت خطتهم : استمالة أكبر عدد من الشعب ضد أثناسيوس بالمال - إقامة المظاهرات والسلب والتخريب حتى تظهر صورة أثناسيوس وكأنه سبب القلاقل - القول بأن رجوع أثناسيوس لكرسيه كان مخالفا لأن لابد أن يكون رجوعه بقرار مجمع ولا يكفي أمر إمبراطوري - اتهام أثناسيوس بأنه استولي علي القمح الممنوح من الإمبراطور قسطنطين قبل وفاته لفقراء مصر وليبيا
- ووسط هذه الاتهامات كان أثناسيوس رابط الجأش وما أن علم القديس أنطونيوس بما حدث لتلميذه وباباه حتى ترك الجبل ونزل إلى الإسكندرية ليجذب الشعب إلى الكنيسة تحت رعاية القديس أثناسيوس .
- لم يترك أتباع أريوس القديس يستريح فقرروا عزله وتعيين غريغوريوس الكبادوكي مكانه وأرسلوا قراراهم هذا ليوليوس أسقف روما فكتب للقديس يستوضحه الأمر فعقد أثناسيوس مجمعا بالإسكندرية سنة 340 أيد فيه الإيمان المستقيم وأرسل صورة منه لجميع الكنائس .
- اتفق الأريوسيون مع والي الإسكندرية ( فيلارجيوس ) علي ضرورة تعيين غريغوريوس الكبادوكي بقوة الجند بدلا من أثناسيوس ولما حاول الشعب مقاومة ذلك هجم الأريوسيين علي الكنائس في يوم جمعة الصلب وقتلوا كل من فيها فأرسل أثناسيوس إلى سائر أساقفة العالم يبلغهم ما حدث وصمم أن يذهب بنفسه إلى روما ليعرض قضيته فاستقبله أسقفها أحسن استقبال وعقدا مجمعا في صور وقررا : براءة أثناسيوس من التهم الموجهة إليه - تثبيت قانون الإيمان - حرم الأساقفة الأريوسيين - عزل غريغوريوس الكبادوكي .
- بقي القديس في روما حوالي 90 شهرا كمنفي اختياري حتى قتل غريغوريوس الكبادوكي فعاد البابا إلى كرسيه وقضي فترة راحة في بناء الكنيسة وإصلاح أوضاع الرهبان واتحد مع أثناسيوس أساقفة فلسطين وأساقفة قبرص .
- لم ييأس الأريوسيين بل جمعوا كل قوتهم بمساندة الإمبراطور قسطنديوس وانحاز لهم أسقف روما وهوسيوس أسقف قرطبة ( رئيس مجمع نيقية ) وكانت الضربة الأكبر هي موت الإمبراطور قسطانس الذي كان يساند أثناسيوس ( بعد أن حارب أخيه قسطنطين الصغير وهزمه ) علي يد أحد قادته المدعو ( ماجينتوس ) وكان خبر موت قسطانس صدمة أبكت أثناسيوس خوفا مما سيحدث للكنيسة من الأريوسيين ومن هذه اللحظة - حسب قول مؤرخي الكنيسة - كان العالم كله سيصير أريوسيا لولا أثناسيوس الذي قيل له " العالم كله ضدك " فأجاب بكل قوة " وأنا ضد العالم "
- وبمجرد أن ظفر قسطنديوس بحكم العالم كله ظهرت دوافعه الداخلية ضد أثناسيوس فجمع مجمعا من 300 أسقفا في ميلان لم يراعوا نزاهة الرتبة الكهنوتية وأمانة العقيدة ووقعوا جميعا علي قرار إبعاد القديس من كرسيه ماعدا القديس هيلارى أسقف بواتيه الذي كان صوتا للحق مثل صوت يوحنا المعمدان .
- وفي يوم شن (سيريانوس ) والي مصر حملة مع خمسة آلاف جندي علي كنيسة القديس ثيئوناس حيث كان القديس يصلي وسط الشعب في نصف ليلة 8 فبراير 356 م واقتحموا الأبواب وأخذوا يرمون السهام علي المصلين ويذبحون العذارى ولكن القديس ظل ثابتا علي كرسيه متمنيا الاستشهاد حتى أغشي عليه فحمله بعض القسوس والرهبان وهربوا به بعيدا عن الأنظار إلي البرية الغربية وبقي هناك ستة سنوات وكان هذا هو النفي الثالث له وبقي هناك حتى انتهت حياة قسطنديوس .
- وحدثت أثناء غياب القديس فظائع كثيرة من قتل ونهب في كل مصر للشعب وللكنائس علي يد الأريوسيين ورسموا أسقفا دخيلا هو (جورجيوس الكبادوكي) ساهم في النصيب الأكبر من آلام الشعب واستلم هذا الدخيل كل كنائس الإسكندرية بأمر الإمبراطور فصارت تحت يد الأريوسيين
- وبينما كان قسطنديوس في انطاكيا دخل ابن أخته ( يوليانوس ) في حرب مع البرابرة في فرنسا واستطاع هزيمتهم فأحبه الفرنسيين جدا ونادوا به إمبراطورا فأعلن نفسه قيصرا علي الغرب بتأييد من الشعب فلما علم قسطنديوس بذلك تألم وعزم علي محاربة ابن أخته فأعد جيشا وبينما هو في الطريق لملاقاته حدث لقسطنديوس انفجار في المخ ومات سنة 361 م وعمره 45 سنة وبهذا أصبح يوليانوس ( يوليان الجاحد ) إمبراطورا علي الشرق والغرب معا .