(ب) كشفه اسلحة الشيطان المحتال :
جاء عن القديس مقاريوس انه كان فى وقت ما سائرا فى اقصى البرية ، فابصر شخصا هرما حاملا حملا ثقيلا يحيط بسائر جسمه ، وكان ذلك الحمل عبارة عن اوعيه كثيرة فى كل منها ريشة ، وكان لابسا اياها بدلا من الثياب ، فوقف مقابلة وجها لوجه يتأمله ، وكان يتظاهر بالخجل تظاهر اللصوص المحتالين ، فقال للبار : ماذا تعمل فى هذه البرية تائها وهائما على وجهك فاجابه الاب قائلا : انا تائه طالب رحمه السيد المسيح ، ولكنى اسألك ايها الشيخ باسم الرب ان تعرفنى من انت ؟.. لانى ارى منظرك غريبا من اهل العالم ، كما تعرفنى ايضا ما هى هذه الاوعية المحيطة بك ، وما هو هذا الريش ايضا ؟..
وقد كان الثوب الذى عليه مثقبا كله . وفى كل ثقب قارورة – فأقر العدو بغير اختياره وقال : يامقاريوس ، انا هو الذى يقولون عنه شيكان محتال ، اما هذه هذه الاوعية فبواستطها اجذب الناس الى الخطية ، واقدم لكل عضو من اعضائها ما يوافقه من انواع الخديعة ، وبريش الشهوات اكحل من يطيعنى ويتبعنى واسر بسقوط الذين اغلبهم ، فاذا اردت ان اضل من يقرأ نواميس الله وشرائعه ، فما على الا ان ادهنه من الوعاء الذى على رأسى ، ومن اراد ان يسهر فى الصلوات والتسابيح فانى آخذ على حاجبى والطخ عينيه بالريشة واجلب عليه نعاسا كثيرا واجذبه الى النوم . والاوعية الموجودة على مسامعى معدة لعصيان الاوارم وبها اجعل من يسمع الى لا يذعن لمن يرشده . والتى عند انفى بها اجتذب الشاب الى اللذه . اما الاوعية الموضوعة عند فمى فبواسطتها اجتذب النساك الى الاطعمة ، وبها اجذب الرهبان الى الوقيعة والكلام القبيح ، وبذور اعمالى كلها اوزعها على من كان راغبا . ليعطى اثمارا لائقة بى . فأبذر بذور الكبرياء . اما من كان على ذاته متكلا فانى اجعله يتعالى بالاسلحة التى فى عنقى . والتى عند صدرى فهى مخازن افكارى ومنها اسقى القلوب مما يؤدى الى سكر الفكر واشتت وابعد الافكار الصالحة من اذهان اولئك الذين يريدون ان يذكورا مستبل حياتهم الابدية . اما الاوعية الموجودة عند جوفى فهى ملوءة من عدم الحس وبها اجمل الجهال لا يحسون واحسن لهم المعيشة على مذبح الوحوش والبهائم .. اما التى تحت بطنى فمن شأنها ان تسوق الى فعل سائر انواع وضورب الزنى والعشق واللذات القبيحة . والتى على يدى فهى معدة لضرب الجسد والقتل . والمعلقة وراء ظهرى ومنكبى فهى مملوءة من انواع المحن المختصة بى وبها اقارع الذين يرومون محاربتى فانصب خلفهم فخاخا . واذل من كان على قوته متكلا ، والتى على قدمى فهى مملوءة عشرات اعرقل بها طرق المسقيمين . ومن شأنى ان اخلف فى بذر فلاحتى صنوفا من الحسك والشوك . والذين يحصدون منها يساقون الى ان ينكروا طريق الحق .
وبعد ان قال هذا صار دخانا واختفى . وان القديس القى بنفسه على الارض وابتهل الى الله بدموع لكى يحارب بقوته عن الضعفاء سكان البرية ويحفظهم .
(ج) الشياطين تحاول ان تقتله :
قيل ان الاب مقاريوس مضى مره الى البهلس (1) ليقطع خوصا . فأتاه الشيطان واخذ منه المنجل وهم ان يضربه به . اما هو فلم يفزع بل قال له : أن كان السيد المسيح قد اعطاك سلطانا على فها انا مستعد لان تقتنى ، فانهزم الشيطان وانصرف عنه هاربا .
شجاعته اما الشيطان :
ويروى بلاديوس حادثة اخرى مشابهة بقول فيها :
وبينما كان ابا مقاريوس ذاهبا من الحصاد الى قلايته فى احدى المرات ، وكان حاملا بعض الخوص لاقاه ابليس ممسكان بيده منجلا فى الطريق . ولما هم بأن يجرح مقاريوس عاد ابليس فخاف وسقط وقدم خضوعا للرجل الطوباوى . حينئذ هرب الشيخ من ذاك المكان ، واخبر الاخوة بما جرى . فعندما سمعوا مجدوا الله .
حسد الشياطين للرهبان :
اتى للقديس مقاريوس يوما احد كهنة الاصنام ساجدا له قائلا: من اجل محبة المسيح عمدنى ورهبنى .: فتعجب الاب من ذلك وقال له اخبرنى كيف جئت الى المسيح بدون وعظ ، فقال له :
(( كان لنا عيد عظيم . وقد قمنا بكل ما يلزمنا . وما زلنا نصلى الى منتصف الليل حتى نام الناس . وفجأة رأيت داخل احد هياكل الاصنام ملكا عظيما جالسا وعلى رأسه تاج جليل وحوله اعوانه الكثيرون فأقبل اليه واحد من غلمانه فقال له الملك : من اين جئت ؟.. فأجاب : من المدينة الفلانية ، قال : واى شيىء عملت ؟.. قال : القيت فى قلب امرأة كلمة صغير تكلمت بها الى امرأة اخرى لم تستطع احتمالها فادى ذلك الى قيام مشادرة كبيرة بين الرجال تسبب عنها قتل كثيرين فى يوم واحد .
فقال الملك : ابعدوه عنى لانه لم يعمل شيئا . فقدموا له واحد اخر فقال له : من اين اقبلت ؟.. قال : من بلاد الهند . قال : وماذا عملت ؟.. اجاب وقال : داخل دار فوجدت نارا قد وقعت من يد صبى فاحرقت الناس الدار فوضعت فى قلب شخص ان يتهم شخصا اخر وشهد عليه كثيرون زورا بانه هو الذى احرقها . قال فى اى وقت فعلت ذلك ؟.. فى نصف الليل . فقال الملك : ابعدوه عنى خارجا . ثم قدموا اليه ثالثا . فقال له : من اين جئت ؟.. اجاب وقال : كنت فى البحر واقمت حربا بين بعض الناس فقرقت سفن وتطورت الى حرب عظيمة ثم جئت لاخبرك فقال الملك : ابعدوه عنى . وقدموا له رابعا وخامسا وهكذا امر بابعادهم جميعا بعد ان وصف كل منهم انوع الشرور التى قام بها حتى اخر لحظة . الى ان اقبل اليه واحد منهم فقال له : مين اين جئت ؟.. قال من الاسقيط . قال له : وماذا كنت تعمل هناك ؟.. قال لقد كنت اقاتل راهبا واحدا ولى اليوم اربعون سنة وقد صرعته فى هذه اللحظة واسقطنه فى الزنا وجئت لاخبرك . فلما سمع الملك ذلك قام من2صبا وقبله ونزع التاج من على رأسه والبسه اياه واجلسه مكانه ووقف بين يديه وقال :
(( حقا لقد قمت بعمل عظيم )) فلما رأيت انا كل ذلك ، وقد كنت مختبئا فى الهيكل ، قلت فى نفسى : ما دام الامر كذلك فلا يوجد شيىء اعظم من الرهبنة ، وللوقت خرجت وجئت بين يديك .
فلما سمع الاب منه هذا الكلام عمده ورهبنه وكان فى كل حين يقص على الاخوة امر هذا الرجل الذى اصبح بعد ذلك راهبا جليلا.
ولكنه عانى ايضا من تجارب داخلية مثما يلى :
+ طلب ابنوا القديس ان يعرفه الرب من يضاهيه فى سيرته ، فجاءه صوت من السماء قائلا:" تضاهى امرأتين هما فى المدينة الفلانية (1) فلما سمع هذا تناول عصاه الجري ومضى الى المدينة . فلما تقصى عنهما وصادف منزلهما ، قرع الباب فخرجت واحدة وفتحت له الباب . فلما نظرت الشيخ القت ذاتها على الارض ساجدة له دون ان تعلم من هو = اذ ان المرأتين كانتا تريان زوجيهما يحبان الغرباء – ولما عرفت الاخرى ، وضعت ابنها على الارض وجائت فسجدت له ، وقدمت له ماء ليغسل رجليه كما قدمت له مائدة ليأكل .
فأجاب القديس قائلا لهما :" ما ادعكما تغسلان لى رجلى بماء ، ولا اكل لكما خبرا ، الا بعد ان تكشفا لى تدبيركما مع الله كيف هو ، لانى مرسل من الله اليكما " . فقالتا له :" من انا يأبابنا ؟.. فقال لهما :" انا مقارة الساكن فى برية الاسقيط " فلما سمعتا ارتعدتا وسقطتا على وجهيهما امامه باكيتين . فانهضماه ، فقال لهما : " من اجل الله تعبت وجئت اليكما ، فلا تكتما عنى منفعة نفسى "فاجابتا قائلتين :" نحن من الجنس غريبتان احدانا عن الاخرى (2) ولكننا تزوجنا اخوين حسب الجسد وقد طلبنا منهما ان نمضى ونسكن فى بين الراهبات ونخذم الله بالصلاه والصوم ، فلم سمحا لنا بهذا الامر ، فجعلنا لانفسنا حذا ان نسلك احدانا مع الاخرى بكمال المحبة الالهية .
وها نحن حافظتان نفسينا بصوم دائم الى المساء وصلاة لا تنقطع . وقد ولدت كل واحدة منا ولدا . فمتى نظرت احدانا ابن اختها يبكى ، تأخذه وترضعه كأنه ابنها . وهكذا تعمل كلتانا ورجلانا راعيا ماعز وغنم ، يأتيان من المساء الى المساء الينا كل يوم فنقبلهما مثل يعقوب ويوحنا بنى زبدى ، كأخوين قديسين . ونحن مسكينتان بائستان ، وهما دائبان على الصدقة الدائمة ورحمة الغرباء . ولم تسمح لانفسنا ان تخرج من فم الواحدة منا كلمة عالية البتة ، بل خطابنا وقمنا مثل قاطنى جبال البرية .
فلما سمع هذا منهما . خرج من عندهما ، وهو يقرع صدره ويلطم وجهه ، قائلا : ويلى ويلى ، ولا مثل هاتين العالميتين لى محبة لقريبى " وانتفع منها كثيرا .
*********
انطاق الزوج صاحب الوديعة :
مره نزل الاب مقاريوس الاسقيطى الى الحصاد وبصحبته سبعة اخوه ، وكانت امرأة تلتقط خلف الحصادين وهى لا تكف عن البكاء فاستفهم الاب من رئيس الحصادين عن امر هذه العجوز وعن سبب بكائها دائما .. فاجابه : ان رجلها عنده وديعة لانسان مقتدر . وقد مات فجأة ولا تعلم هذه المرأة موضع هذه الوديعة فلما استراح الحصادون من الحر دعا الشيخ المرأة لها : هلمى ارينى قبر زوجك . فلما وصل اليه (1) صلى مع الاخوة . ثم نادى الميت قائلا : يافلان اين تركت الوديعة التى عندك؟. فاجابه : انها فى بيتى تحت رجل السرير فقال له القديس : نم ايضا ، فلما عاين الاخوة ذلك تعجبوا . فقال لهم القديس (2) ليس من اجلى كان هذا الامر لانى لست شيئا. بل انما صنع الله هذا من اجل الارملة واليتامى .
ولما سمعت المرأة بموضع الوديعة انطلقت واخذتها واعطتها لاصحبها . وكل الذين سمعوا هذا سبحوا الله .
صلة القديس مقاريوس بالقديسين