ما هو الفرق بين رهبنة القدماء ورهبنة زماننا.
سئل شيخ : " بماذا تشبه رهبنة القدماء ، ورهبنة زماننا هذا ؟ " فأجاب قائلاً :
" كان إنسان غنياً وحكيمأً ، وكان يطلب المسك الخالص ، فلما لم يجد المسك الحقيقى الذى يريده ، قطع المسافات براً وبحراً حتى وصل إلى الصين حيث قدم هدايا للملك الذى هناك ، وسأله ان يعطيه مسكاً ، وطلب إليه ان يقطعه هو بيده ، فلما أخذ المسك ورجع ، أعطاه لأولاده وأولاده بدورهم أعطوه بعضهم لبعض ، وقليلا قليلا غشوه وخلطوه بما يشبه المسك الحقيقى فى اللون ، ويختلف عنه فى الرائحة ، ومع تمادى الزمن بقى الزغل ( التقليد ) موضع المسك الحقيقى ، وعدمت رائحته ، وبقى الشكل والاسم فقط.
وكذلك الآباء القدماء ، فإنهم تجاسروا على الحياة والموت ، وذاقوا كل التجارب ، واحتملوا الضوائق ، وقدموا ذواتهم ذبيحة حية روحانية ن ووهبت لهم المعرفة الروحانية ، وصاروا سكناً لله ، وأحسوا بالأسرار. ثم واتصل الشر شيئاً فشيئاً ، حتى انتهى الحال الينا نحن الذين بالاسم والشكل فقط.
ان أمور سيدنا مرارات تعقبها حلاوات ، مظلمات تعقبها نيرات ، محزنات تعقبها مبهجات ، أما أمور العالم فهى حلاوات تعقبها مرارات ، نيرات تعقبها مظلمات، مبهجات تعقبها محزنات ، يعرف الحق ذاك الذى اختبر هذه ، ليس من سماع الاذان فقط ".
كيف أكون راهباً؟
سأل أنبا يوسف أنبا بيمين قائلاً : " قل لى ، كيف أكون راهباً؟ " قال له: "إن كنت تريد أن تجد نياحاً هاهنا وفى الآخرة ، فقل فى نفسك فى كل أمر : أنا من أنا ، ولا تدن إنسانا"
عمل الرهبان
قال القديس دوروثيئوس :
" إن الأوجاع هى غير الخطايا ، فالخطايا هى عمل الأوجاع بالفعل والأوجاع هى أسباب الخطايا ، فقد يوجد إنسان فيه الأوجاع كالغضب الضار ، وشهوة الشر ، ولا يستعملها.
والقديسون ما اكتفوا بأن لا يفعلوا الشرور ، فقط ، بل واجتهدوا فى أن يقلعوا من نفوسهم الأوجاع التى هى اصولها ، ولما صعب عليهم ذلك وهم بين العلمانيين ، تغربوا فى البرية ، ولزموا الصوم والصلاة والسهر ، فقاموا بما قرر عليهم من الوصايا ، من عفة ، ومسكنة ، ونافلة ، وغربة ، لتكميل وصايا الرب.. وزيادة العفة ، وهى عدم الجماع البتة ، والمسكنة، وهى عدم الفتنة بالكمال ، والنافلة ، وهى ما زاد على الفريضة ، وهى الرهبنة ، وفرزوا للرهبنة شكلاً فيه رموز على غرضها ، اما القولية التى ليس لها كم ، فإذا أردنا أن نعلم بأيدينا شراً ، كالسرقة ، أو الضرب ، أو غيره ، فاها تقصر ايدينا كتقصير كمنا ، واما الاشتداد بالمنطقة ، فللتشمر والاجتهاد فى خدمة الله ، وكونها من جلد ميت ، لنميت أوجاعنا ، وأما الابلايون بشبه الصليب ، فإشارة إلى حمل الصليب واتباع سيدنا : وأما القوفلية ، فهو يشبه الخنف ، وهو لباس الأطفال ، والأطفال لا مكر عندهم ، ولا حقد ولا نجس ولا اقامة هوى ، وذلك هو اكبر أغراض الرهبنة".
انسحاق التوبة :
كان شاب اسمه مقاره ، اتفق له وهو يرعى ، ويلعب مع صديق له ، فقتله بغير تعمد ، ولم يعلم به احد ، فمضى لوقته إلى البرية وترهب ، وأقام ثلاث سنين فى البرد والحر ، فى ارض ليس فيها ماء ، وبعد ذلك بنى كنيسة داخل البرية ، وأقام فيها خمساً وعشرين سنة ، واستحق نعمة من الله ، حتى انه قوى على الشياطين ، وفرح فى نسك الرهبنة وأقمت بالقرب منه زماناً ، ولا صار لى عليه دالة ، فتشته عن كفرة بسبب خطية القتل ، فقال : أقمت أياما كثيرة متعباً، لأجل هذا الفكر ، وهو يلازمنى ليلاً ونهاراً ، ويقلقنى جداً ، وآخر الأمر اراحنى الرب من حزن القلب بسببه ، حتى لقد شكرت القتل الذى فعلته بغير اختيارى ، لكونه كان سبباً لخلاصى وبنعمة الرب صرت ، إذا تعرضت إلى الشياطين ، بفكر تعظيم القلب ، ويقولون لى : " قد صرت رجلاً عظيماً أكثر من الرهبان كلهم ". فأجيبهم قائلاً : " والقتل الذى فعلته ، ما اشد عذابى فى الجحيم بسببه " . فيمضوا عنى ، ومرة أخرى يقولون لى : " أيها القاتل ، لماذا تقعد فى هذه البرية ، وليست لك توبة ، فتتعب فى الباطل ن امض إلى العالم ، واصنع ارادتك ، لئلا يفوتك الامران!" فأقول لهم : " الرب الذى صنع الرحمة مع عبده موسى ، يرحمنى أنا أيضا " وكنت اعزى نفسى وحدى بأن موسى لم يستحق ان يرى الله ، الا بعد ان هرب من مصر ، ودخل البرية لأجل الذى قتله باختياره.
وما قلته هذا ليطيب قلب احد بالقتل ، بل ليعرفوا ان اسباباً كثيرة مختلفة تجتذب الناس إلى الفردوس ، فواحد يهرب لأجل الفقر والاستدانة ، وآخر يهرب من جور المستلطين ، وآخر بسب زنى زوجته ، وآخر من شر سادته ، وبالجملة فان قوماً يهربون من الخوف الدنياوى ، وقوم يحبون الله ، ويؤثرون خلاصهم فيصيروا رهبانا بإراداتهم ".
كيف يقتنى الراهب الفضيلة
سئل شيخ : " كيف يقتنى الراهب الفضيلة ؟ "
فأجاب : ان شاء احد ان يقتنى فضيلة ما ، فانه إن لم يمقت اولاً الرذيلة التى تضادها فلن يستطيع احد ان يقتنيها. فان شئت ان يحصل لك النوح فامقت الضك. وان اثرت ان تقتنى التواضع ابغض الكبرياء. وان احببت ان تضبط هواك فامقت السر والتحريف فى الاشياء. وان شئت ان تكون عفيفاً فامقت الفسق. وان شئت ان تكون زاهداً فى المقتنيات ان يكون له سكوت ، فليمقت الدالة. ومن أراد ان يكون غريباً من عاداته فليبغض التخليط. ومن يريد ان يضبط غضبه فليبغض مشيئاته. ومن يريد ان يضبط بطنه فليبغض اللذات والاقامة مع أهل العالم. ومن أراد عدم الحقد فليبغض المثالب. ومن لا يقدر ان يكابد الهموم فليسكن وحده منفرداً. ومن يريد ان يضبط لسانه فليسد اذنيه لئلا يسمع كثيراً. ومن يريد ان يحصل على خوف الله ، فليمقت راحة الجسد ويحب الضيقة والحزن. فعلى هذه الصفة يمكنك ان تعبد الله باخلاص".
الطريق الضيق – الزهد
قال أنبا ابراهيم:
" إذا حملت نير المسيح ، فانظر كيف تمشى فيه ، ينبغى لك الا تخلط عمل الدنيا بعمل المسيح ، لانهما لا يجتمعان معاً ، ولا يسكنان كلاهما فى موضع واحد، ، لا تسلك فى الطريق الواسعة ، لان كثيرين سلكوا فيها فضلوا وذهبت بهم إلى الظلمة ، حيث النار المعدة ، ولكن اسلك طريق الحق والصواب ، فانها وان كانت ضيقة حزينة ضاغطة ، لكنها تخرج إلى السعة والحياة ، والنعيم الدائم.
لا تبن جسدك بالنعيم واللباس ، مثل البيوت المزخرفة ، التى تؤول إلى الهدم والهلاك ، ولكن ابنه بالتوبه والاعمال المرضية لله على الاساس الوثيق ، الذى بنى عليه القديسون : يمشى هين وصوت لين ، ولباس حقير ، وطعام يسير ، وحب تام ، وطاعة واتضاع ، وأفكار نقية ".
قانون الحياة اليومية
قال شيخ :
" إذا قمت باكر كل يوم : امسك لك امراً يجلب الصلاح ، واحفظ وصايا الله يطول روح ، بمخافة الله ، بالصبر على الاحزان ، وبالحبس وبالصلوات ، وبالتنهد ، بضبط اللسان ، بحفظ العينين ، بقلة الغضب.ولا تحسب نفسك شيئاً بل اجعل فكرك تحت كل الخلقة ، بجهاد الصليب ، بالتوبة والبكاء ، بسهر الليالى ، بصبر صالح ، بالجوع والعطش وذلك لتستحق الدعوة السمائية ، بنعمة ربنا يسوع المسيح له المجد".
وقال أخر:
" ينبغى للمجاهد ان يبتعد عن كل امتلاء ، ولو من الخبز والماء ، وان يجمع عقله فى صلاته ، ليكمل قربانه الروحانى ، ويتذكر خطاياه دائماً ويحزن عليها ، وليكن كل ما يعمله ويقوله من أجل مرضاة الله لا من أجل مجد الناس ، وان يتفقد تدبيره دائماً ، لكى لا تكون سكناه فى البرية على غير مذهب الرهبنة ، فانه قد سكن البرية كثير من اللصوص ، وهى مأوى للوحوش والطيور المؤذية ، اما الراهب فانه يسكنها هرباً من سجن العالم الذى يشغله عن عبادة الله التامة. كما ينبغى ان يصبر على البلايا وكيلف نفسه فى كل شئ ، وان يقدم حب الله على حب القريب ، وحب القريب على حب نفسه ، وحب نفسه على حب كل ما سواها، وليكن له ايمان قوى بالله ورجاء واتضاع وامساك وصمت وصلاة دائمة وتهاون بالارضيات وتذكر للموت والمجلزلة ، وقراءة فى الكتب وتميز كل الأمور وحفظ العقل والقلب ، وطاعة الآباء والوصايا من أجل الله".
قال القديس باسيليوس
" هذا ما يليق بالراهب : التمسكن ، عقل منخفض ، نظر مطرق إلى الأرض ، وجه مقطب ، زى مهمل ، ثوب وسخ حتى يكون حالنا كحال النائحين الباكين ، ثوب بقدر الجسد لان الغرض منه شئ واحد هو ستر الجسد من الحر والبرد ، ولا تطلب ازدهار الصبغ وحسنه ، ولا نعومة الوثب ولا ليونته ، لان الميل إلى ذلك من صفات النساء ، كما يجب ان يكون الثوب سميكاً حتى لا يحتاج الأمر إلى وشاح ليدفئ لابسه وليكن الحذاء بسيطاً يتمم الحاجة الضرورية إليه فقط. وكذلك الحال فى الطعام. خبزة واحدة تسد الجوعة ، والماء ليروى ظمأ العطشان. أما المشى فلا يكون بطيئاً بانحلال ، كما لا يكون بسرعة وعجرفة ، حيث الحركات الخطرة".
من أقوال القديس اكيلمادوس
وصايا لمن يريد الدخول فى سلك الرهبنة
اسمع يا بنى كلامى واحفظه فهذه وصاياى يجب ان تمارسيها ان اثرت ان تكون رابهاً لأنك ان كسلت فى اتمام احدى هذه الوصايا فما اكملت الواجب ، ويكون وعدك كاذباً وآراؤك عن الرهبنة ليست صحيحة ، ومالك الذى وزعته قد أضعته سيدى إذ تصبح طلباتك فارغة لأنك لم تستيقط بقوة ولم تقبل على السيرة الرهبانية باجتهاد ولم تربط وسط قلبك بالكمال ولم تستعد للقتال الشيدد ضد الشياطين الغير منظورين ، كما يقول الرسول بولس: ان قتالنا ليس مع لحم ودم ، بل مع الرؤساء والسلاطين ومع احياء الشر فى عالم الظلمة ومع الارواح الخبيثة